الكل يعرف انه ابى، انا ايضا اعلم ذلك و لكنى ابدا لم اشعر بها. نظرات الشك التى كانت تلتصق بى دائما جعلتنى اتسال بداخلى لماذا؟
كانوا دائما ينادوا اسمى مقترنا باسمه و هذا يؤكد لى انه ابى و لكنى لم اكن اعلم لماذا كان يمتقت لونه عندما كنت اسئله عن امى. يتحول الى انسان اخر هو اقرب لان ان يكون كتله من النار يحاول بكل جهده ان يتحكم فى نفسه حتى لا يحرقنى و عندما ينسى او يتناسى هذا الامر يتحول الى كومة من الشك لا تفعل شئ الا ان ترمينى بسهام الشك من عينه.
لا استطيع ان انكر انه لم يقصر مطلقا فى ماكلى و مشربى و دراستى و ملبسى و لكنى كنت اشعر بان كل هذا يقدم من انسان تجاهى كواجب لابد عليه ان يقدمه. لكن اى واجب هذا؟ ضع انت المسمى الذى تريده الا الابوة.
لجات الى كل من اعرف حتى استعلم عن امى، الكل يجيب اجابة واحده ماتت و ليس لها اقارب. لكن الوحيد الذى كان يربت على كتفى و يمسح شعرى و هو يلقنى هذه الاجابة التى لا محل لها من الفهم عندى هو عمى الوحيد، كان يشبه ابى كثيرا فى ملامحه و ان اختلف عنه فى الصوت لكن دائما الاجابة واحده.
لم اجد اى شئ يدل على ان امراة كانت تعيش فى هذا البيت مع هذا الرجل - ابى- لم اجد لامى صورة مثلا و قطعة ملابس قديمة او حتى ذكرى عنده يحدثنى عنها بها. لم تكن حتى سراب فى حياته. لكن الاغرب ان البيت لم تدخله امراة قط فليس له اخت اما امه فقد توفت من زمن بعيد يعلمه هو و عمى.
حاولت يوم ان اتقرب اليه و اساله عن امه هو فكانت اجابته واحده( ماتت هى ايضا) و لكن مالفت انتباهى انه لم يتحول الى كتلة النار و لكن بقى على حالته كومة من الجليد.
سالته محاولا ان يفتح صندوقه الاسود : ماذا كنت تفعل لك؟
اجاب و هو يزيح نظارته من فوق عينيه: لا شئ اكثر مما اقدمه لك.
كنت متاكد انها قدمت له اكثر من ذلك فانا ارى الامهات و ما يفعلون مع ابنائهم و لكنه وضع النظارة على عينيه مرة اخرى و رفع جريدته ليكمل قراءته مشيرا لى بالصمت.
تحولت الى مراة تعكس شكه. كان عندما يرمينى بسهام شكه لم اعد اتلقاها فى صدرى و لكنى كنت اردها له. فى البدايه حاول ان يتماسك امام نظراتى كان يبدو لى ان كومة الثلج بدات تذوب و لكن من داخلها. مازال السطح بارد و لكن الباطن بدا فى الذوبان.
يوم بعد يوم بدا لا يرمينى بسهام شكه و لكنى استمريت فى رميه بنبال الشك و كأن نظرات الشك التى كان يرمينى بها طوال السنين الماضيه مخزون لا ينفذ عندى.
بدا الثلج فى الذوبان كلما اشتدت سهامى خاصة اننى اتقنت فن التوجيه بل اننى ادركت ماهى الاوقات المناسبه لاطلاق اعيرتى لم يعد يطلق سهامه و لا يتحول الى كتله النار. اصبح لا شئ و لا حتى هواء. اصبحت الدفة فى يدى و بدات استعد ليوم الهجوم الاكبر و ادرس جميع الاحتمالات الممكنه. اعددت خطط كثيرة بديله و وضعت كل الحلول لكل الافترضات الممكنه وحددت يوم الهجوم الشامل. كان معدا ان يكون هجوم عام شامل مباغت. حددت فيه النتائج المرجوة و كانت اهم المغانم هى امى الذى لا اعرف عنها الا اسمها.
كنت قد جهزت يوم المواجهة ان يكون اخر يوم فى امتحانات سنتى النهائية بالجامعه.
عدت الى المنزل و ان اشحذ كل اسلحتى و لكنى لم اجده فى ارض المعركة. كان المنزل خاويا. هل قرر الانسحاب ام انه يعد هجوم مضاد؟ هل علم بخطتى و استعد لها؟
انتظرته طويلا بدات سهامه القديمة تنغرس اكثر فى صدرى بدات الجروح تدمى و كنت اعتقدت انها اندملت. كنت احسب اننى من يمسك المقود و ادير المعركة لكنى اكتشفت انه من يتحكم عن بعد. لقد خدعنى هذا الهرم. لقد استفاد كثيرا من عمله العسكرى.
مر باقى النهار ثقيلا كثيفا لزجا و داهمنى الليل و النوم. و عند استيقاظى و جدت صندوق امام سريرى.
كان صندوق صغير لا يزيد حجمه عن الصناديق الكرتونيه التى تضع بها الاحذية الجديده. كان الصندوق خشبى مطعم بالنحاس. كان قديما و لكنه يبدو كالجديد. واضح انه كان محفوظ بعناية. لكن اين كان يحتفظ به؟ لقد بحثت فى كل المنزل و لم اترك مكان الا وبحثت فيه. لابد انه كان يخبئه خارج المنزل. بالتاكيد عند عمى.
قمت ابحث عن ابى فى المنزل لم اجده. انه يلاعبنى بخبرته العسكريه. لكن لا مانع عندى فانا ساتمكن من السيطرة على الامور فى النهاية. لقد كبر فى السن و لن يتحمل ضغطى عليه لذلك فهو يهرب من المواجهة.
لا هو لم يهرب من مواجاهتى و لكنه يريدنى ان اواجه غموض الماضى الذى لفنى به طوال السنين الماضيه وحدى. يا له من خبيث و لكن انا استطيع المواجهه وحدى. الان مواجهتى الان اختلفت و لم اكن مستعد لها. كنت قد اعددت خططى لمواجهته هو لا الماضى. و لكن مالفرق فانا كنت ساواجهه حتى يكشف لى الماضى. لابد ان هذا الصندوق به ما يخص امى و قد حان وقت كشف المستور.
جلست على سريرى و التقطت انفاسى حتى استطيع ان اعمل تفكيرى فيما ساواجه. فتحت الصندوق فوجدت به اوراق و فوقهم خاتم ذهبي. أمسكت بالخاتم كان يبدو عليه انه خاتم زواج حريمى. تفحصته فوجدت اسم ابى محفور بالداخل. اذا هو خاتم زواج امى. حاولت من خلال هذا الخاتم رسم صوره لها و لكنه كان شبه مستحيل. وضعت الخاتم جانبا على وسادتى و بدات اتفحص الورق. كانت اخر ورقة هى عبارة عن صوره لامراة. اذا هذه هى امى. الصورة قديمه ابيض و اسود. لكن ملامحها واضحه جدا. الصورة تبدو انها فى سبعينات القرن الماضى واضح من الازياء التى كانت ترتديها. لم تكن جميله كما اتوقع. امراة عاديه . شعر اسود فاحم طويل ينسدل على ظهرها. ملامحها رقيقه و لها ابتسامه شاذه. تبدو فى الصورة بيضاء و لكن واضح انها لم تكن هكذا. فيديها سمراء لم يلتفت المصور لهذا او ربما انها لم تكن تتقن فن التزين. تبدو انها من اعماق الريف و لكنها تحاول الظهور بمظهر اهل المدن فتحولت الى شئ غريب لا ترتاح عندما تراه. هل هذه هى امى؟
تحسست الورق بيدى فوجدت بين الاوراق شئ يشبه الدفتر. بحثت عنه حتى وصلت اليه. دفتر اخضر مطبوع على غلافه نسر ذهبى. جواز سفر مصرى. فتحته فوجدت به صورة لنفس السيده التى رائيتها فى الصورة من قبل. الاسم المسجل يتطابق مع اسم امى. اذا هذه امى فعلا و مؤكدا. لم اكن اتوقع ان تكون هكذا. كنت قد رسمت لها صورة مختلفة تماما عن ما فى الصورة. كنت اعتقد ان ملامحها اكثر طيبه و كنت اتصورها بيضاء سمينه. كنت اعتقد ان لها ابتسمه اكثر طيبه من ذلك، و لكن واضح ان خيالى كان ضعيف لم يرتقى حتى للواقع. بدات اقلب فى صفحات الجواز وجدت به العديد من التاشيرات. كلها لدول فى اوروبا. رجعت لبيانات جواز السفر لارى المهنه. وجدت انها بدون. نظرت على اول تاشيرة سفر لها و جدتها الى المانيا و كانت تقريبا بعد ولادتى تقريبا باربع شهور. تفحصت اوراق الجواز فلم اجد بها الا ختم دخول واحد لمصر و كان تقريبا و انا عمرى اربع سنوات و نصف. تقريبا سافرت ما يقارب اربع سنوت. لكن عندما عادت اين اختفت؟
عندما تتشابك الاسئله تتنافر المواقف و تتناثر المشاعر. تتقصف سنون رماحى تتباعد خطوط دفاعى. لم يعد فى وسعى الصمود طويلا. تتزاحم الاسئلة فى راسى؛ اين اختفت بعد عودتها؟ لماذا سافرت الى اوربا؟ اين كنت و قتها؟مع من كانت؟ اسئلة كثيرة تحوم حولى لا استطيع ان امسك بواحد منهم لافكر فيه حتى يهاجمنى الاخر فاترك الاول و احاول ان الاحق الاخر و هكذا حتى انهكت تماما. اذا لابد من الانسحاب لخطوطى الخلفية حتى استطيع ان استجمع قواتى و قواى مرة اخرى.
فلنعد للصندوق مرة اخرى على اجد ما يفيدنى لتخطى هذه المشكلة التى لم استعد لها مطلقا. لا ادرى هل هذا الصندوق هو مخزن ذخيرتى ام انه كمين نصبه لى ابى. لم يعد هناك الكثير فى الصندوق. ورقة مطبقة، فردتها امام عينى ، كانت شهادة وفاة امى، تاريخ الوفاة سابق لتاريخ عودتها لمصر باسبوعين، واضح انها ماتت هناك وتم دفنها فى مصر، لكن لماذا كان ابى ينكر وجودها فى حياته لم تحل هذه الاوراق اللغز و لكنها زادتها تعقيدا.
مازالت الاسئلة تحوم حول راسى، تملا الفراغ حولى، تحاول مصارعتى؟ لكن تتراجع و كانها تعاندنى، ليتها تصعقنى و تنتهى المعركة. تتضائل فرص انتصارى فى معركتى. الورقة الاخيره فى الكمين الذى اوقعنى فيه ابى، ترجمة لتقرير طبى لسبب وفاة امى "هبوط حاد فى الدورة الدموية نتيجة لتعاطى جرعة زائدة من المخدرات" هل سافرت لتعاطى المخدرات. لا يمكن ان تكون برفقة ابى فى هذه المرحلة. ثم فى هذا الوقت كانت الحرب و كان ابى لا يمكنه مغادرة البلاد. فمهامه التى كان يقوم بها كلها معلقة على حوائط المنزل. شهادات و نياشين لامعه، كنت احسدها على نظرات الحب التى كان يرمقها بهم.
فرغ الصندوق من الاوراق و لكن هناك صورة. صورة لثلاثة من الشباب احدهما يرتدى ملابسه العسكريه.
ازرار البدلة العسكرية تلمع فى الصورة كما النايشين المعلقة على جدران منزلنا، نفس نظرة الجمود التى تنتابه كثيرا مسيطرة على عينيه فى الصورة . انه ابى بكل تاكيد، لم يتنازل ابى كثيرا عن حاجاته الا بعض او قل كثيرا مت شعره و ان كانت التجاعيد قد بدات تزحف عول عينيه هذه الايام، لكنه نفس الصلف و التيهو الصلابه، اشعر انه فى هذه الصورة اقل تماسكا من الان و لكنه اكثر تحديا و جديه.
من على يمينه اعرفه جيدا هو الوحيد الذى ربت على كتفى. نفس الابتسامة الدافئة، لم يتنازل عن شعره و لكنه تنازل عن لونه، يلتصق بابى اكثر من الشاب الموجود على اليسار. يقترب منهم فى الطول و لكنه اسمن قليلا، يبدو فى عينيه نظرة تعلق بالحياة و كانه لا يريد ان يتنازل عن اى شئ له او لغيره. لكن من هذا؟ قلبت الصورة لاستوضح تاريخ التقاطها فوجدت مكتوب خلف الصورة "عندما كنا ثلاثة"
لن يجيب على هذا السؤال الا عمى، توجهت اليه و انا اشعر بانه اخر قلاعى، حملت معى الصورة و الاوراق، قدمت الصورة اليه. انسحبت الابتسامه من على وجهه الى المجهول. و تسال من اين حصلت على هذه الصورة، فاخرجت باقى الاوراق من جيبى، نظر الى الارض و تمتم بكلامات لم افسرها جيدا. ثم نظر الى عيناى " كان اخونا الثالث، اصغرنا." و بدات الاسئله تنهمر عنه . لكنه لملم الاوراق فى يده و تفسده فى يدى" قسوة ابيك على امك علمتها الخيانة فاستغنت عنه و تنازلت عنك و هربت مع اخوه"
كانوا دائما ينادوا اسمى مقترنا باسمه و هذا يؤكد لى انه ابى و لكنى لم اكن اعلم لماذا كان يمتقت لونه عندما كنت اسئله عن امى. يتحول الى انسان اخر هو اقرب لان ان يكون كتله من النار يحاول بكل جهده ان يتحكم فى نفسه حتى لا يحرقنى و عندما ينسى او يتناسى هذا الامر يتحول الى كومة من الشك لا تفعل شئ الا ان ترمينى بسهام الشك من عينه.
لا استطيع ان انكر انه لم يقصر مطلقا فى ماكلى و مشربى و دراستى و ملبسى و لكنى كنت اشعر بان كل هذا يقدم من انسان تجاهى كواجب لابد عليه ان يقدمه. لكن اى واجب هذا؟ ضع انت المسمى الذى تريده الا الابوة.
لجات الى كل من اعرف حتى استعلم عن امى، الكل يجيب اجابة واحده ماتت و ليس لها اقارب. لكن الوحيد الذى كان يربت على كتفى و يمسح شعرى و هو يلقنى هذه الاجابة التى لا محل لها من الفهم عندى هو عمى الوحيد، كان يشبه ابى كثيرا فى ملامحه و ان اختلف عنه فى الصوت لكن دائما الاجابة واحده.
لم اجد اى شئ يدل على ان امراة كانت تعيش فى هذا البيت مع هذا الرجل - ابى- لم اجد لامى صورة مثلا و قطعة ملابس قديمة او حتى ذكرى عنده يحدثنى عنها بها. لم تكن حتى سراب فى حياته. لكن الاغرب ان البيت لم تدخله امراة قط فليس له اخت اما امه فقد توفت من زمن بعيد يعلمه هو و عمى.
حاولت يوم ان اتقرب اليه و اساله عن امه هو فكانت اجابته واحده( ماتت هى ايضا) و لكن مالفت انتباهى انه لم يتحول الى كتلة النار و لكن بقى على حالته كومة من الجليد.
سالته محاولا ان يفتح صندوقه الاسود : ماذا كنت تفعل لك؟
اجاب و هو يزيح نظارته من فوق عينيه: لا شئ اكثر مما اقدمه لك.
كنت متاكد انها قدمت له اكثر من ذلك فانا ارى الامهات و ما يفعلون مع ابنائهم و لكنه وضع النظارة على عينيه مرة اخرى و رفع جريدته ليكمل قراءته مشيرا لى بالصمت.
تحولت الى مراة تعكس شكه. كان عندما يرمينى بسهام شكه لم اعد اتلقاها فى صدرى و لكنى كنت اردها له. فى البدايه حاول ان يتماسك امام نظراتى كان يبدو لى ان كومة الثلج بدات تذوب و لكن من داخلها. مازال السطح بارد و لكن الباطن بدا فى الذوبان.
يوم بعد يوم بدا لا يرمينى بسهام شكه و لكنى استمريت فى رميه بنبال الشك و كأن نظرات الشك التى كان يرمينى بها طوال السنين الماضيه مخزون لا ينفذ عندى.
بدا الثلج فى الذوبان كلما اشتدت سهامى خاصة اننى اتقنت فن التوجيه بل اننى ادركت ماهى الاوقات المناسبه لاطلاق اعيرتى لم يعد يطلق سهامه و لا يتحول الى كتله النار. اصبح لا شئ و لا حتى هواء. اصبحت الدفة فى يدى و بدات استعد ليوم الهجوم الاكبر و ادرس جميع الاحتمالات الممكنه. اعددت خطط كثيرة بديله و وضعت كل الحلول لكل الافترضات الممكنه وحددت يوم الهجوم الشامل. كان معدا ان يكون هجوم عام شامل مباغت. حددت فيه النتائج المرجوة و كانت اهم المغانم هى امى الذى لا اعرف عنها الا اسمها.
كنت قد جهزت يوم المواجهة ان يكون اخر يوم فى امتحانات سنتى النهائية بالجامعه.
عدت الى المنزل و ان اشحذ كل اسلحتى و لكنى لم اجده فى ارض المعركة. كان المنزل خاويا. هل قرر الانسحاب ام انه يعد هجوم مضاد؟ هل علم بخطتى و استعد لها؟
انتظرته طويلا بدات سهامه القديمة تنغرس اكثر فى صدرى بدات الجروح تدمى و كنت اعتقدت انها اندملت. كنت احسب اننى من يمسك المقود و ادير المعركة لكنى اكتشفت انه من يتحكم عن بعد. لقد خدعنى هذا الهرم. لقد استفاد كثيرا من عمله العسكرى.
مر باقى النهار ثقيلا كثيفا لزجا و داهمنى الليل و النوم. و عند استيقاظى و جدت صندوق امام سريرى.
كان صندوق صغير لا يزيد حجمه عن الصناديق الكرتونيه التى تضع بها الاحذية الجديده. كان الصندوق خشبى مطعم بالنحاس. كان قديما و لكنه يبدو كالجديد. واضح انه كان محفوظ بعناية. لكن اين كان يحتفظ به؟ لقد بحثت فى كل المنزل و لم اترك مكان الا وبحثت فيه. لابد انه كان يخبئه خارج المنزل. بالتاكيد عند عمى.
قمت ابحث عن ابى فى المنزل لم اجده. انه يلاعبنى بخبرته العسكريه. لكن لا مانع عندى فانا ساتمكن من السيطرة على الامور فى النهاية. لقد كبر فى السن و لن يتحمل ضغطى عليه لذلك فهو يهرب من المواجهة.
لا هو لم يهرب من مواجاهتى و لكنه يريدنى ان اواجه غموض الماضى الذى لفنى به طوال السنين الماضيه وحدى. يا له من خبيث و لكن انا استطيع المواجهه وحدى. الان مواجهتى الان اختلفت و لم اكن مستعد لها. كنت قد اعددت خططى لمواجهته هو لا الماضى. و لكن مالفرق فانا كنت ساواجهه حتى يكشف لى الماضى. لابد ان هذا الصندوق به ما يخص امى و قد حان وقت كشف المستور.
جلست على سريرى و التقطت انفاسى حتى استطيع ان اعمل تفكيرى فيما ساواجه. فتحت الصندوق فوجدت به اوراق و فوقهم خاتم ذهبي. أمسكت بالخاتم كان يبدو عليه انه خاتم زواج حريمى. تفحصته فوجدت اسم ابى محفور بالداخل. اذا هو خاتم زواج امى. حاولت من خلال هذا الخاتم رسم صوره لها و لكنه كان شبه مستحيل. وضعت الخاتم جانبا على وسادتى و بدات اتفحص الورق. كانت اخر ورقة هى عبارة عن صوره لامراة. اذا هذه هى امى. الصورة قديمه ابيض و اسود. لكن ملامحها واضحه جدا. الصورة تبدو انها فى سبعينات القرن الماضى واضح من الازياء التى كانت ترتديها. لم تكن جميله كما اتوقع. امراة عاديه . شعر اسود فاحم طويل ينسدل على ظهرها. ملامحها رقيقه و لها ابتسامه شاذه. تبدو فى الصورة بيضاء و لكن واضح انها لم تكن هكذا. فيديها سمراء لم يلتفت المصور لهذا او ربما انها لم تكن تتقن فن التزين. تبدو انها من اعماق الريف و لكنها تحاول الظهور بمظهر اهل المدن فتحولت الى شئ غريب لا ترتاح عندما تراه. هل هذه هى امى؟
تحسست الورق بيدى فوجدت بين الاوراق شئ يشبه الدفتر. بحثت عنه حتى وصلت اليه. دفتر اخضر مطبوع على غلافه نسر ذهبى. جواز سفر مصرى. فتحته فوجدت به صورة لنفس السيده التى رائيتها فى الصورة من قبل. الاسم المسجل يتطابق مع اسم امى. اذا هذه امى فعلا و مؤكدا. لم اكن اتوقع ان تكون هكذا. كنت قد رسمت لها صورة مختلفة تماما عن ما فى الصورة. كنت اعتقد ان ملامحها اكثر طيبه و كنت اتصورها بيضاء سمينه. كنت اعتقد ان لها ابتسمه اكثر طيبه من ذلك، و لكن واضح ان خيالى كان ضعيف لم يرتقى حتى للواقع. بدات اقلب فى صفحات الجواز وجدت به العديد من التاشيرات. كلها لدول فى اوروبا. رجعت لبيانات جواز السفر لارى المهنه. وجدت انها بدون. نظرت على اول تاشيرة سفر لها و جدتها الى المانيا و كانت تقريبا بعد ولادتى تقريبا باربع شهور. تفحصت اوراق الجواز فلم اجد بها الا ختم دخول واحد لمصر و كان تقريبا و انا عمرى اربع سنوات و نصف. تقريبا سافرت ما يقارب اربع سنوت. لكن عندما عادت اين اختفت؟
عندما تتشابك الاسئله تتنافر المواقف و تتناثر المشاعر. تتقصف سنون رماحى تتباعد خطوط دفاعى. لم يعد فى وسعى الصمود طويلا. تتزاحم الاسئلة فى راسى؛ اين اختفت بعد عودتها؟ لماذا سافرت الى اوربا؟ اين كنت و قتها؟مع من كانت؟ اسئلة كثيرة تحوم حولى لا استطيع ان امسك بواحد منهم لافكر فيه حتى يهاجمنى الاخر فاترك الاول و احاول ان الاحق الاخر و هكذا حتى انهكت تماما. اذا لابد من الانسحاب لخطوطى الخلفية حتى استطيع ان استجمع قواتى و قواى مرة اخرى.
فلنعد للصندوق مرة اخرى على اجد ما يفيدنى لتخطى هذه المشكلة التى لم استعد لها مطلقا. لا ادرى هل هذا الصندوق هو مخزن ذخيرتى ام انه كمين نصبه لى ابى. لم يعد هناك الكثير فى الصندوق. ورقة مطبقة، فردتها امام عينى ، كانت شهادة وفاة امى، تاريخ الوفاة سابق لتاريخ عودتها لمصر باسبوعين، واضح انها ماتت هناك وتم دفنها فى مصر، لكن لماذا كان ابى ينكر وجودها فى حياته لم تحل هذه الاوراق اللغز و لكنها زادتها تعقيدا.
مازالت الاسئلة تحوم حول راسى، تملا الفراغ حولى، تحاول مصارعتى؟ لكن تتراجع و كانها تعاندنى، ليتها تصعقنى و تنتهى المعركة. تتضائل فرص انتصارى فى معركتى. الورقة الاخيره فى الكمين الذى اوقعنى فيه ابى، ترجمة لتقرير طبى لسبب وفاة امى "هبوط حاد فى الدورة الدموية نتيجة لتعاطى جرعة زائدة من المخدرات" هل سافرت لتعاطى المخدرات. لا يمكن ان تكون برفقة ابى فى هذه المرحلة. ثم فى هذا الوقت كانت الحرب و كان ابى لا يمكنه مغادرة البلاد. فمهامه التى كان يقوم بها كلها معلقة على حوائط المنزل. شهادات و نياشين لامعه، كنت احسدها على نظرات الحب التى كان يرمقها بهم.
فرغ الصندوق من الاوراق و لكن هناك صورة. صورة لثلاثة من الشباب احدهما يرتدى ملابسه العسكريه.
ازرار البدلة العسكرية تلمع فى الصورة كما النايشين المعلقة على جدران منزلنا، نفس نظرة الجمود التى تنتابه كثيرا مسيطرة على عينيه فى الصورة . انه ابى بكل تاكيد، لم يتنازل ابى كثيرا عن حاجاته الا بعض او قل كثيرا مت شعره و ان كانت التجاعيد قد بدات تزحف عول عينيه هذه الايام، لكنه نفس الصلف و التيهو الصلابه، اشعر انه فى هذه الصورة اقل تماسكا من الان و لكنه اكثر تحديا و جديه.
من على يمينه اعرفه جيدا هو الوحيد الذى ربت على كتفى. نفس الابتسامة الدافئة، لم يتنازل عن شعره و لكنه تنازل عن لونه، يلتصق بابى اكثر من الشاب الموجود على اليسار. يقترب منهم فى الطول و لكنه اسمن قليلا، يبدو فى عينيه نظرة تعلق بالحياة و كانه لا يريد ان يتنازل عن اى شئ له او لغيره. لكن من هذا؟ قلبت الصورة لاستوضح تاريخ التقاطها فوجدت مكتوب خلف الصورة "عندما كنا ثلاثة"
لن يجيب على هذا السؤال الا عمى، توجهت اليه و انا اشعر بانه اخر قلاعى، حملت معى الصورة و الاوراق، قدمت الصورة اليه. انسحبت الابتسامه من على وجهه الى المجهول. و تسال من اين حصلت على هذه الصورة، فاخرجت باقى الاوراق من جيبى، نظر الى الارض و تمتم بكلامات لم افسرها جيدا. ثم نظر الى عيناى " كان اخونا الثالث، اصغرنا." و بدات الاسئله تنهمر عنه . لكنه لملم الاوراق فى يده و تفسده فى يدى" قسوة ابيك على امك علمتها الخيانة فاستغنت عنه و تنازلت عنك و هربت مع اخوه"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق